السؤال:
بعض العلماء يكتبون آيات من القرآن على لوح أسود، ويغسلون الكتابة بالماء ويشرب، وذلك رجاء استفادة علم، أو كسب مال، أو صحة وعافية، ونحو ذلك. وأيضًا يكتبون على القرطاس، ويعلقون في عنقهم للحفظ، فهل هذا حلال للمسلم أو حرام؟
الجواب :
أذن النبي -صلى الله عليه وسلم- في الرقية بالقرآن والأذكار والأدعية، ما لم تكن شركًا، أو كلامًا لا يفهم معناه؛ لما روى مسلم في صحيحه عن عوف بن مالك قال: كنا نرقي في الجاهلية، فقلنا يا رسول الله: كيف ترى في ذلك؟ فقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرقى ما لم يكن فيها شرك . .
وقد أجمع العلماء على جواز الرقى، إذا كانت على الوجه المذكور آنفًا، مع اعتقاد أنها سبب لا تأثير له إلا بتقدير الله تعالى.
أما تعليق شيء بالعنق، أو ربطه بأي عضو من أعضاء الشخص، فإن كان من غير القرآن، فهو محرم، بل شرك، لما رواه الإمام أحمد في مسنده عن عمران بن حصين -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى رجلا في يده حلقة من صُفْر فقال: ما هذا؟ قال: من الواهنة، فقال: انزعها، فإنها لا تزيدك إلا وهنًا، فإنك لو مت، وهي عليك ما أفلحت أبدا . .
وما رواه عن عقبة بن عامر عنه -صلى الله عليه وسلم- قال: من تعلق تميمة، فلا أتم الله له، ومن تعلق ودعة، فلا ودع الله له ، وفي رواية لأحمد أيضًا: من تعلق تميمة، فقد أشرك .
وما رواه أحمد، وأبو داود عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: إن الرقى والتمائم والتِّوَلَة شرك . .
وإن كان ما علقه من آيات القرآن، فالصحيح أنه ممنوع أيضًا، لثلاثة أمور: .
الأول: عموم أحاديث النهي عن تعليق التمائم، ولا مخصص لها.
الثاني: سد الذريعة، فإنه يفضي إلى تعليق ما ليس كذلك.
الثالث: أن ما علق من ذلك يكون عرضة للامتهان بحمله معه في حال قضاء الحاجة والاستنجاء والجماع، ونحو ذلك.
وأما كتابة سورة، أو آيات من القرآن في لوح، أو طبق، أو قرطاس وغسله بماء، أو زعفران، أو غيرهما وشرب تلك الغسلة رجاء البركة، أو استفادة علم، أو كسب مال، أو صحة وعافية، ونحو ذلك، فلم يثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه فعل لنفسه، أو غيره ولا أنه أذن فيه لأحد من الصحابة، أو رخص فيه لأمته مع وجود الدواعي التي تدعو إلى ذلك.
ولم يثبت في أثر صحيح -فيما علمنا- عن أحد من الصحابة -رضي الله عنهم- أنه فعل ذلك، أو رخص فيه، وعلى هذا، فالأولى تركه، وأن يستغنى عنه بما ثبت في الشريعة من الرقية بالقرآن، وأسماء الله الحسنى، وما صح من الأذكار والأدعية النبوية، ونحوها مما يعرف معناه، ولا شائبة للشرك فيه، وليتقرب إلى الله بما شرع؛ رجاء التوبة، وأن يفرج الله كربته، ويكشف غمته، ويرزقه العلم النافع، ففي ذلك الكفاية، ومن استغنى بما شرع الله، أغناه الله عما سواه.
والله الموفق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.