السؤال:
بالطلب المقيد برقـم: 274 لسنة 1980، وفـيـه أن السـائل من حـملة القـرآن الكريم. ويطلب منه بـعض المصلين أن يكتب له آية من كتاب الله- تعالى-تبركًا بها، أو يكون عنده مريض، فيكتب له آية من القرآن، كآية الكرسي أو المعوذتين أو الفـاتحـة. وقـد اعترض عليه بعض الناس على أسـاس أن هذا لا يجـوز، علمـًا بأن النبي -صلى الله عليه وسلم- قـال: خذ من القرآن ما شئت لما شئت . .
فهل يجوز هذا العمل أو لا يجوز؟ .
الجواب :
إن القرآن وحي إلهي، نزل به الروح الأمين، على قلب رسول الله محـمد -صلى الله عليه وسلم- ليكـون للعالمين نذيرًا وبشيرًا ، جاء بالعقيدة والشريعة، فيـه نبأ السابقين، من قال به صدق، ومن اهتدى به فـقد هدي إلى صراط مستقيم.
وقد اختلف العلماء في جـواز كتابة بعض آيات القرآن الكريم، أو سوره وتعليقها في أعناق الأولاد أو حملها، أو بعبارة أخرى في جواز تعليق التمائم من القرآن وأسماء الله تعالى وصفاته. فقالت طائفة: بجوازه ونسبوا هذا إلى عمرو بن العاص وأبي جعفر الباقر، ورواية عن الإمام أحمد .
وطائفة أخرى قالت بعدم جواز تعليق التمائم؛ للحديث الذي رواه أحمد عن عقبة بن عامر قـال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-يقول: من تعلق بتميمة، فلا أتم الله له، ومن تعلق بودعة، فلا ودع الله له .
والتميمة: ما يعلق في أعناق الأولاد من خـرزات وعظام وغيرها لدفع العين، وقد جزم كثير من العلماء بقول الطائفة الأخـيرة احتجاجًا بهذا الحـديث وما في معناه؛ لأن النص عام، ولا مخـصص لعـمومه، وسدًا للذريعة حتى لا يعلق في أعناق الصـغار، ما يجـعلهم يكبرون وهـم يعتقدون أن شفاءهم أو حـفظهم بهذا المكتوب، ولم يكن من عند الله: وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ . وقد سئل ابن أبي زيد المالكي عن أجر من يكتب ورقة فيها نحو اسم الله، وما أشبه ذلك مع قرآن، وهل يجوز كتابة هذا؟ فقال: لم يأت هذا في القرآن ولا في الأحاديث الصحاح، فلا يجوز.
والسنة الثابتة عن النبي -صلى الله عليه وسلم-أحب إلينا أن يدعى بالقرآن وبأسماء الله وصفاته. (الفتاوى الحديثية لابن حجر الهيثمي المكي ص 88).
وهذا هو ما يشير إليه القرآن الكريم في آيات الدعاء، وفيما حكاه عن الأنبيـاء والصـالحين من الالتـجـاء إلى الله-سـبـحـانه-من دعاء واستغاثة.
لما كان ذلك: كان العمل المسؤول عنه غير جائز؛ لأن فيه إساءة استعمال لآيات القرآن الكريم، ولا ينبـغي للمسلم أن يتخـذ القرآن تميمة يعلقها، فـقد أنكر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- التمائم بوجـه عام، بل ودعا على من يستعملها بعدم التمام. أي: عدم قضاء حاجته من شفاء وغيره. .
وليس لمسلم يؤمن بالله واليوم الآخر وكتبه ورسله، أن يستعـمل القرآن في غير ما أنزل له، وليس لمسلم أن يستحل أجر كـتابة آية أو سورة للاستشفاء بها على أي وجه من الوجوه؛ إذ قد اتفق الفقهاء على أن هذا العمل بهذا القـصد، لا يجـوز الإجـارة عليـه شرعًا، ولا يحل التكسب به.
أما الحديث الوارد في السؤال خذ من القرآن ما شئت لما شئت فإنه غير صحـيح، إذ لم يرد في أي كـتاب من كـتب السنة، ويصدق على من يقول به، ويتحدث عنه ويعمل به، قول الرسول -صلى الله عليه وسلم-فيما رواه البخـاري ومسلم والنسائي، عن أنس -رضي الله عنه- قـال: إنه ليـمنعني أن أحـدثكم حـديثًا كثيرًا أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: من تعـمَّد عليَّ كـذبًا، فليتبوأ مقعده من النار [ كتاب عمدة القاري شرح صـحـيح البخاري جزء: 2 صفحة: 152] والله -سبحانه وتعالى- أعلم.